تقاريرسلايدر
أخر الأخبار

قضايا اغتصاب الأطفال في تعز… بين الضغط المجتمعي وتمييع السلطات

المدونة اليمنية - خاص:

تعد ظاهرة اغتصاب الأطفال من الجرائم التي تزايدت في ظل الانفلات الأمني الذي تشهده مدينة تعز، منذ بدء الحرب عليها، منذ ما يقرب من 5 سنوات، حيث إن الانفلات الأمني قد مثل بيئة خصبة لتزايد هذه الجريمة، في ظل عجز وتراخي الأجهزة الأمنية عن القيام بمهامها، وكذا غياب وضعف الجهات القضائية المتمثلة بالنيابات والمحاكم.

وظلت ظاهرة اغتصاب الأطفال في تعز، من القضايا التي يتعامل معها المجتمع اليمني بنوع من التكتم، نتيجة اعتقاده أن الحديث عنها ينشر العار المجتمعي، ويزيد من انتشار الرذيلة، كما أن أسر الضحايا في الغالب تقوم بالتكتم وعدم الإبلاغ عن تعرض ابنها للاغتصاب، نتيجة تخوفها من العار، غير أن قضية ”رياض الزهراوي” قد فتحت الباب للحديث عن الظاهرة في وسائل التواصل المجتمعي، وبناء رأي عام ضاغط على الأجهزة الأمنية والجهات المختصة، باتخاذ الإجراءات اللازمة التي من شأنها إلقاء القبض على المتهمين، وإنزال أقسى العقوبات الرادعة بحقهم، من أجل تحصين المجتمع من هذه الجريمة.
ففي منتصف يوليو 2018، تعرض الطفل رياض الزهراوي (14 عاماً) لمحاولة اغتصاب تحت تهديد السلاح، من قبل أحد أفراد اللواء 22 ميكا،  ”خالد عباد”، حيث قام الأخير باستدراج الطفل إلى غرفته تحت تهديد السلاح، لكن الطفل تمكن من السيطرة على السلاح الخاص بالمعتدي، وإفراغ الرصاص في جسده، وأرداه قتيلاً.

بعد الحادثة، قامت مجاميع مسلحة بمحاصرة منزل الطفل الزهراوي، ليقوم عدد من المواطنين بالدفاع عنه، ما تسبب بحدوث اشتباكات مسلحة سقط فيها قتيل على الأقل، ولتتحول قضية الطفل رياض الزهراوي إلى قضية رأي عام، لكن القضية لم تتوقف بعد قيام قيادات عسكرية بتهديد والد الطفل، الذي اضطر مع أسرته إلى مغادرة تعز، بعد تزايد التهديدات والمضايقات التي تقوم بها قيادات عسكرية.
المصادر الأمنية أكدت أن ”خالد عباد” الذي حاول اغتصاب الطفل الزهراوي، هو أحد المتهمين الذين لديهم سوابق،وتم اتهامه بعدد من جرائم القتل، ومنها قتل الزبيدي، وقتل الطفل الوصابي، وقد سجن لمدة 6 أشهر، قبل أن يتم الإفراج عنه.
انتقلت قضية دفاع الطفل الزهراوي عن نفسه، وقتله خالد عباد دفاعا عن النفس، إلى النيابة، بالتزامن مع اعتداءات متكررة من قبل مسلحين على أسرة الزهراوي، ومحاصرتها، وتزايدت هذه الاعتداءات والمضايقات بعد أن أقرت النيابة بأنه لا وجه لإقامة الدعوى، لأن حادثة القتل جاءت للدفاع عن النفس، خصوصاً وأن تقرير الطبيب الشرعي أفاد بوجود بقايا السائل المنوي على العضو الذكري لخالد عباد الذي حاول اغتصاب الطفل الزهراوي، قبل أن يتم قتله من قبل الطفل.‏
المضايقات التي تعرضت لها أسرة الطفل الزهراوي، وعزوف الأجهزة الأمنية عن توفير الحماية لها، وقيامها بحماية المسلحين، وقيام قيادات أمنية وعسكرية بمحاولة التلاعب بملف القضية، جعل أسرة الزهراوي تغادر تعز إلى مدينة عدن، غير أن المجرمين استمروا بملاحقة الأسرة إلى عدن، لمحاولة قتل الطفل، وهو ما جعل الأسرة تغادر بعد ذلك إلى الرياض للإقامة هناك.

عمل الناشطون على أن تتحول ظاهرة التحرش الجنسي بالأطفال، إلى قضية مجتمعية يتم تجريمها، وتقديم الازدراء المجتمعي لمرتكبيها، بحيث يعمل الرأي العام بالضغط على الأجهزة الأمنية والقضائية للبت السريع في هذه القضايا عبر إجراءات قضائية سريعة وعاجلة.
تفاعل الرأي العام ضد ظاهرة اغتصاب الأطفال، لم يحل دون انتشار الظاهرة وتزايدها، في ظل عزوف الأجهزة الأمنية والجهات المسؤولة عن القيام بدورها في معاقبة هؤلاء المجرمين. ومع تزايد حوادث اغتصاب الأطفال، بدأ ناشطون حقوقيون بفتح الملف من جديد، عبر نشر مقاطع فيديو تتضمن شهادات لأسر بعض الأطفال التي تعرض أطفالها للاغتصاب، وقيام السلطات في تعز بتوفير الحماية للجناة والتستر عليهم.
إحدى الشهادات التي وثقها فريق رصد الحقوقي، تتحدث عن أسرة أحد الضحايا، التي نزحت من منزلها في شارع الثلاثين بتعز، الذي يكتوي بنار الحرب، ليتعرض طفلها للاغتصاب في المكان الذي نزحت إليه، كما تحكي ذلك أم الطفل، التي تؤكد تعرض طفلها للاغتصاب من قبل أحد المسلحين، الذي اعتدى عليه بالضرب، قبل أن يغتصبه تحت تهديد السلاح، ولم يكتفِ بذلك، بل هدده بالقتل في حال تحدث عن الحادثة لأحد.
لم تكن هذه الأسرة ضحية للمغتصب الذي اغتصب طفلها فقط، بل إنها ضحية لعدد من الجهات الرسمية التي عملت على تمييع القضية وطمسها، والتستر على المجرم، بدءاً من المستشفيات التي رفضت منح هذه الأسرة تقريراً طبياً، بعد تلاعبها بنتائج الفحص، كما أن الأجهزة الأمنية هي الأخرى اكتفت بالاستماع لأقوال الطفل، ورفضت منح أسرته صورة من ملف التحقيقات.
كما كشفت أم الطفل عن تعرض الأسرة للابتزال من قبل المسؤولين الذين طلبوا مبالغ مالية للسير في القضية، بينهم مدير مكتب الآداب، والطبيب الشرعي الذي ماطل بتقديم التقرير للنيابة، ما جعل الأم تضطر لبيع جزء من أثاث المنزل لتستكمل متابعة القضية لدى الجهات المختصة.
شهادة أخرى نشرها فريق رصد، تتعلق بحادثة اغتصاب عدد من الأطفال في حمامات جامع الجهوري وسط تعز، حيث اتهم فريق رصد، القاضي المكلف بالقضية بالحكم ببراءة اثنين من المتهمين في جلسة عقدت قبل موعدها، بشكل مخالف للقانون.

الناشط الحقوقي أكرم الشوافي، عضو فريق رصد، قال إن المتهمين اللذين حكم القاضي ببراءتهما، أثبتت عليهما قضايا تحرش واغتصاب أطفال في جامع الجهوري، وإن القاضي المحمودي (القاضي الجزائي في محكمة غرب تعز) عقد جلسة دون علم النيابة، ودون علم الضحايا ومحاميهم، وجلسة ليست في المحكمة، حيث قام بالانتقال للسجن المركزي، وحكم بالبراءة، دون عقد جلسة رسمية، وفي موعد مخالف لموعد الجلسة المحدد.
وأكد الشوافي أن القاضي حكم على والد أحد الأطفال بالحبس سنة، وتغريمه مبلغ 300 ألف ريال، بتهمة الاعتداء بالضرب على أحد المتهمين، كما أن القاضي رفض تسليم منطوق الحكم لأهالي الضحايا، قاصداً بذلك المماطلة حتى تمر فترة الاستئناف المحددة، ولا يستطيع بعدها أهالي الضحايا استئناف الحكم.
ونشر الناشط الشوافي مقطع فيديو لشهادة إحدى الأمهات، التي تعرض طفلها للاغتصاب في مسجد الجهوري، كشفت فيه عن رفض عدد من أسر الضحايا تقديم بلاغ أو شكوى بتعرض أبنائها للاغتصاب، خوفاً من الفضيحة، وخوفاً من بطش الجهات التي تقف خلف الجناة.
وذكرت الأم في شهادتها المصورة، أن الجناة، وهم من عناصر الجيش، تتولى شؤون المسجد، قاموا باستدراج الأطفال واستغلال حاجتهم إلى جلب الماء من المسجد لبيوتهم، حيث قالت إن ابن مؤذن المسجد استغل حاجة طفلها للماء، وقام باستدراجه إلى أحد حمامات المسجد، وقام باغتصابه بالقوة.
وكانت منظمة العفو الدولية ذكرت في تقرير صادر عنها، أن أسر 4 من الصبية قد أخبروا المنظمة أن أبناءها تعرضوا للاعتداء الجنسي، في سلسلة الحوادث على مدى الأشهر الـ8 الأخيرة من عام 2018، وأشار التقرير إلى أن حالتين من هذه الحالات زعمت أسرتاهما أن المسؤولين عن الاغتصاب “أفراد المليشيات الموالية لحزب الإصلاح”.
قضايا اغتصاب الأطفال في تعز تحولت إلى قضية تؤرق الاهالي والناشطين الحقوقيين في المنظمات الدولية، حيث ذكرت هبة مرايف، مديرة المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا بمنظمة العفو الدولية، إن الشهادات الأليمة التي أدلى بها هؤلاء الصغار الذين تعرضوا للاغتصاب، وشهادات أسرهم، تكشف كيف أن “الصراع المستمر يجعل الأطفال عرضة للاستغلال الجنسي في مدينة تعاني من ضعف أمني ومؤسسي؛ حيث يجد هؤلاء الضحايا وأسرهم أنفسهم وحدهم بلا حماية، في مواجهة محنة الانتهاك الجنسي المروعة وعواقبه”.

وأضافت مرايف: “يجب على السلطات اليمنية إجراء تحقيقات شاملة في هذه المزاعم، من أجل الإشارة إلى أنه لن يتم التسامح مع هذه الجرائم، ولحماية أسر الأطفال من الانتقام. فيجب تقديم المشتبه فيهم، بمن في ذلك أعضاء القوات المتحاربة، وزعماء المجتمعات المحلية الثقات، إلى القضاء، ليحاكموا محاكمة عادلة.
فالاغتصاب والاعتداء الجنسي المرتكبان في سياق الصراع المسلح، يعدّان من جرائم الحرب، وقد يكون القادة الذين لا يضعون حدّاً لهذه الأفعال الشنيعة، هم أنفسهم مسؤولين عن جرائم حرب”.
وأمام الضغط المجتمعي للوقوف في وجه انتشار هذه الظاهرة، والذي يتبناه ناشطون حقوقيون وإعلاميون، تقف في الجهة المقابلة محاولات التمييع والتقليل من شأن هذه القضايا، وحقيقة وجودها، وهو الموقف الذي تتبناه السلطات الرسمية في تعز، من قيادة السلطة المحلية، مروراً بقيادة الأجهزة الأمنية والحزبية، ليتحول الضحايا من الأطفال إلى ضحايا أبديين لمجرم طائش، ولدولة مغيبة.
اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *