تقاريرسلايدر
أخر الأخبار

المخدرات.. تجارة الحوثيين الرائجة

المدونة اليمنية- خاص:

حينما يتعاطى شبان ومراهقون المخدرات لساعات متأخرة في الليل في بعض أزقة وشوارع العاصمة صنعاء، فهذا مشهد غير مألوف عند اليمنيين، الذين لم يكونوا حتى سنوات قريبة يعرفون ما هي المخدرات، لكن ذلك المشهد أصبح اعتيادي منذ سيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء، وزادت هذه الظاهرة الدخيلة في تنامي خلال العامين الماضيين.

منتصف العام الجاري أعلنت الأجهزة الأمنية التابعة للحوثيين، إنها ضبطت 46 طناً و 374 كجم و 782 جراماً من مادة الحشيش المخدر، و28 ألف و66,863 حبة مخدر و 25 كيلو جرام هيروين .بحسب الإعلام الأمني التابع للجماعة، لكن ذات الأجهزة الأمنية تغض الطرف عن عمليات البيع والشراء التي أصبحت لا تحصى، وعلى مرأى ومسمع منها ومن الناس في أسواق تجارة المخدرات المنتشرة في أحياء حزيز وقاع القيضي، والسنينة، ومسيك، والخمسين، وفي نقاط التفتيش الأمنية التابعة للحوثيين باتجاه محافظات “عمران وصعدة وحجة” بحسب شهادات مواطنين تحدثوا لـ”المدونة اليمنية”، في إطار تحقيق يحاول الإجابة عن سؤال مهم بخصوص انتشار المخدرات وتعاطيها في مناطق سيطرة الحوثيين: ما الذي يحدث؟

صناعة المدمنين

في حي هائل السكني وسط العاصمة صنعاء المكتظ بآلاف المواطنين المقيمين والنازحين، كان المراهق”م.ن” يجتمع لتخزين القات مع أقرانه من ذات الحي داخل سيارة معطلة، مركونة في إحدى أزقة ذلك الحي، استغلت عصابة مشهورة ذلك الفراغ، فعملت على بيع حبوب المخدرات له، ولأولئك المراهقين لتحولهم جميعاً إلى مدمنين.

ظل “م.ن” يتعاطى المخدرات يوماً بعد يوم، قبل أن تكتشف ذلك والدته، بعد أن تكررت سرقات الأموال والحلي الخاص بها من داخل المنزل، وملاحظتها التغيرات التي طرأت في تصرفات نجلها، قررت الأم معاقبة ابنها، فتوجهت إلى قسم شرطة 22 مايو القريب من مكان سكناهم، لكنها فوجئت بأن مشرفا حوثيا يدعى “أبو أحمد الشرقي”، منع مدير قسم الشرطة من عقاب نجلها، كما تقول “س” والدة المراهق المدمن، وتضيف في حديثها لـ”المدونة اليمنية” «ترك نجلي البيت منذ ذلك الوقت وأصبح من المتسكعين في الشوارع يحتمي بمسلحي الحوثي».

عشرات القصص والحكايات المشابهة تحدث في صنعاء التي أصبحت موبوءة بالمخدرات، حتى أن المواطنين لم يعودوا يجرأون على أن يتقدموا بشكاوى ضد تجمعات المدمنين المزعجة، ولا أن يوقفوا عبثهم، بسبب التهديدات التي يتلقاها المواطنون وحتى رجال الأمن من قبل العصابات الحوثية المسلحة الداعمة لتجارة المخدرات.

ووفقاً لحديث مصدر أمني لـ”المدونة اليمنية”، فإن «مسلحين حوثيين تابعين لمشرفين داخل مقرات موجودة في كل حي من أحياء العاصمة صنعاء، يعتبرون سلطة مواجهة لأقسام الشرطة الرسمية، ويعملون على حماية تجار ومدمني المخدرات»، وذات المشكلة تتكرر داخل استراحات ومقاهي خاصة بتجمعات الشباب، لتخزين القات وتدخين “الشيشة”، حيث أصبحت غرزا موبوءة بالمحششين، وملتقى لبيع وشراء المخدرات بكافة أصنافها، حتى أن أقسام الشرطة لم تعد تستطيع ضبط التجار والمتعاطين، بسبب الحماية المسلحة التي يقدمها المشرفون الحوثيون لتلك التجمعات. كما يؤكد المصدر.

تسهيلات لتنامي تجارة الممنوعات

منذ الأيام الأولى لانطلاقة حركة التمرد ضد الدولة اليمنية على يد الصريع حسين بدرالدين الحوثي، زعيم الحوثيين الأسبق، جعلت المليشيات محافظة صعدة، منطقة عبور لتهريب المخدرات للمملكة العربية السعودية، وعقب انقلاب المليشيات على الدولة اليمنية في الواحد والعشرين من سبتمبر/ايلول2015، عملت القيادات الحوثية على تنامي تجارة المخدرات وتشجيع المتعاطين، وفتح قادة المليشيا الباب على مصراعيه لتجار المخدرات التقليديين، لممارسة أنشطتهم التجارية بشكل أوسع، وهو الأمر الذي دفع قيادات في المليشيات بالكشف عن ما آلت إليه أوضاع البلاد في ضل حكم الحوثيين، ففي الثالث عشر من ديسمبر الماضي كشف فارس الحباري، المعين من الحوثيين بمنصب محافظ محافظة ريمة، عن أن عشرات الشاحنات المحملة بالحشيش احتجزها أتباعه في مديرية أرحب، إلا أن توجيهات من قيادات “عليا” لم يسمها، قضت بإطلاقها. وتساءل الحباري عبر تغريدة كتبها في صفحته على “تويتر”: “أين تذهب كل هذه الكميات من المخدرات ومن المستفيد”؟

أحد منتسبي الأمن في العاصمة صنعاء، رفض الكشف عن اسمه، تحدث للمدونة اليمنية، قائلاً: إن «تجارة المخدرات في صنعاء بدأت في التنامي، حينما سمحوا لتاجر مخدرات مشهور يُدعى حميد دغسان وهو من محافظة صعدة، بإدارة تجارة المخدرات في محافظات صنعاء وعمران وحجة وصعدة، وتصديرها للمحافظات القريبة، تحت غطاء العمل الأمني، حيث يعمل دغسان مشرفا أمنيا في وزارة الداخلية التابعة للمليشيات برتبة عقيد».

سهلت المليشيات لتاجر مخدرات آخر من محافظة الجوف، يُدعى بن شاجع، بفتح شركات ومكاتب في صنعاء لإدارة تجارة المخدرات في مختلف المحافظات تحت غطاء تجاري، وعلى الرغم من أن ذلك التاجر يقيم في دولة قطر، إلا أن نفوذه في أوساط المليشيات الحوثية، أصبح يفوق نفوذ مشرفين من الصف الأول. بحسب ما كشف عنه مصدر أمني مقرب من الحوثيين خلال حديثه لـ”المدونة اليمنية”.

ويفيد المصدر، بأن لدى التاجر بن شاجع، وكلاء حوثيين هم من يديرون تجارة مختلف أنواع المخدرات في مناطق صنعاء والجوف وصعدة ، وحتى مأرب، وصولاً إلى محافظة حضرموت شرقي اليمن، والعكس، حيث يستخدمون طرقا خاصة لتهريب تلك المخدرات، كالطريق الرابط بين خولان ومأرب وبعض المناطق القبلية. كما استخدموا بعض أبناء القبائل المناصرين لها لتسهيل مهامهم، وهو ما دفع بعض القبائل للتحرك ضد ذلك، وعلى سبيل المثال، أعلنت قبيلة العذلان، وهي إحدى قبائل مراد، نبذ أي فرد منها يعمل في تجارة المخدرات ومصادرة وسائل النقل والأموال والسلاح التي تكون بحوزته وهدر دمه إن حاول المقاومة، ولا يحق لأهله المطالبة بديته أو الثأر له.

وأقرت القبيلة نفسها، والتي تربطها حدود مع منطقة بني ضبيان بمحافظة صنعاء، بأن أراضيها أصبحت خط تهريب رئيسيا للمخدرات، وأنها تتحمل مسؤوليتها في الحرص والرقابة وحماية البلاد والعباد من هذه الآفة. بحسب بيان وزعته على وسائل الإعلام في السابع من نوفمبر من العام الجاري.

وبموجب “القاعدة القبلية” التي وقعها أبناء القبيلة لمحاربة المخدرات، تطبق عقوبة النبذ وإهدار دم وإتلاف المضبوطات ومصادرة الأموال والسلاح والسيارات، على كل من يحاول الدفاع عن تجار ومروجي الحشيش والمخدرات أو يقوم باستضافتهم أو التستر عليهم أو مساعدتهم على العبور من أراضي القبيلة. وتبرأت القبيلة من أي التزامات نحو أي فرد منها يعمل في مجال المخدرات سواءً قبض عليه أو قتل أو صودرت أمواله بيد قبائل أخرى أو الدولة.

وأشارت الوثيقة إلى أن بنودها تطبق على قبائل العذلان ومن جاورهم أو استجار بهم أو سكن في بلادهم في أي مكان وأي زمان.

مصدر تمويل

بين الفنية والأخرى تضبط الأجهزة الأمنية في مختلف المناطق المحررة من المليشيات الحوثية،كميات من المخدرات كانت في طريقها إلى مناطق سيطرة الحوثيين، ففي السابع والعشرين من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، ضبطت أجهزة أمنية في عدن شحنة مخدرات قادمة من البرازيل إلى ميناء عدن، بإشراف رجال أعمال منتمين لحزب الله اللبناني، وكانت في طريقها إلى مليشيات الحوثي، وبحسب مصدر امني تحدث لوسائل إعلام محلية آنذاك، فإن «تلك الكمية من مخدرات الكوكايين والهروين تم إخفاؤها داخل إحدى الحاويات، كانت تحمل كمية من السكر، وقُدرت بنصف طن».

وفي مطلع مايو الفائت ضبطت الأجهزة الأمنية بمحافظة حضرموت شحنة من الحشيش المخدر كانت في طريقها إلى مناطق سيطرة الحوثيين، وتكرر ضبط كميات المخدرات في محافظة مأرب لمرات عديدة منها ما تم ضبطه منتصف مارس الماضي، حتى محافظة المهرة لم تسلم من محاولات الحوثيين إدخال المخدرات عبرها، حيث ضبطت الأجهزة الأمنية هناك ستة إيرانيين وباكستاني أثناء محاولة تهريبهم 730 كيلوجرام من المخدرات منتصف نوفمبر من العام الجاري.

وفي محافظة الجوف ضبطت لأجهزة الأمنية عشرات الأطنان من المخدرات كانت في طريقها للحوثيين خلال الثلاثة أعوام الماضية، لكن الإحصائيات غابت حينما سيطر الحوثيون على أجزاء واسعة من المحافظة في أواخر إبريل الماضي.

وفي الثاني والعشرين من أكتوبر من العام الماضي ضبطت القوات الحكومية في منفذ العبر، نصف طن مادة الحشيش المخدر.

وتتصدر محافظة مأرب المرتبة الأولى من بين المحافظات الأكثر ضبطا للمواد المخدرة التي تُهرب من قبل الحوثيين وتجار مخدرات موالين لهم، فخلال العامين الماضيين ضبطت الأجهزة الأمنية هناك أكثر من 27 طنا من مادة الحشيش والمواد الأخرى المخدرة. بحسب إحصائيات صادرة عن الأجهزة الأمنية هناك في أوقات متفاوتة.

وتؤكد التقارير الأمنية الصادرة عن وزارة الداخلية في الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، بأن المخدرات هي مصدر التمويل الأول بالنسبة للحوثيين، وأن هناك ارتباطا وثيقا بين الميليشيات الحوثية وبين عصابات ومافيا تهريب وتجارة المخدرات المرتبطة بإيران وحزب الله اللبناني، وبحسب تقديرات اقتصاديين تحدثوا لـ”المدونة اليمنية”، فإن أرباح الحوثيين من تجارة المخدرات تتجاوز مليارات الريالات، لكنها غير معلومة، بسبب سرية تلك التجارة المحرمة وفقاً للشرائع الدينية والأعراف والمواثيق الدولية .

والواقع أنه ومع استمرار سيطرة الحوثيين على المناطق الشمالية من اليمن، وتوسع تجارة المخدرات، دخلت أصناف لا حصر لها من المخدرات كحبوب “الهلوسة والانكستازين والهيروين والافيون والكوكايين، والديزبام”.

كما تشير بعض الإحصائيات غير الرسمية إلى أن البلاد قد شهدت مؤخرا دخول أنواع أخرى من المخدرات “كالامفيتامين والفروتونين والبارتيورات والفاليوم”، والتي توزع في مختلف المحافظات.

حرب حوثية ناعمة

من المؤكد بأن الحوثيين انكشف أمرهم بخصوص تورطهم في تجارة المخدرات والتشجيع على إدمانها، خاصة بعد أن كشف ناشطون بأن لدى أتباع المليشيات مزارع لزراعة الحشيش في مناطق بمحافظة إب والجوف، وغيرها من المحافظات الواقعة تحت سيطرتها، وبشكل عام فإن الأدلة في مثل تجارة خطيرة كتجارة المخدرات لا تكون واضحة، ويكفي أن الاستدلال على تورط المليشيات المدعومة من إيران في تلك التجارة يكون من خلال الضبطيات والمتهمين الذي يعملون كناقلين للبضاعة ما بين المناطق الخارجة عن سيطرة المليشيا، والمناطق الواقعة تحت سيطرتها. تقول سعاد علوي، رئيسة “مركز عدن للتوعية من خطر المخدرات”.

 وتصف الناشطة في مكافحة المخدرات، خلال حديثها لـ”المدونة اليمنية”، تورط الحوثيين في تجارة المخدرات بأنها “حرب ناعمة قاتلة لا صوت لسلاحها المستخدم”. مضيفة أنه «على كثر عدد منظمات المجتمع المدني في المناطق الواقعة تحت سيطرة الحوثيين، وحضور كبير للمنظمات الدولية هناك، إلا أنها لم تتبنَ أي نشاط مناهض لتجار المخدرات ومدمنيه».

وتؤكد علوي، بأن «المركز الذي تديره في عدن على اطلاع ومتابعة لظاهرة انتشار المخدرات بقدر المستطاع في المناطق التي يسيطر عليها الحوثة الذين يمثلون حزب الله ليس فقط في منهجهم الديني بل في حربهم ومصادر تمويلهم من خلال المخدرات».

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *