أرشيفسلايدرمقالات

الفريق العربي.. في ماراثون “الملكة الحمراء”!

الفريق العربي.. في ماراثون “الملكة الحمراء”!

المدونة اليمنية – د. صادق القاضي

“يتطلب الأمر كل الركض الذي تستطيع أن تركضه، لتبقى في نفس المكان”. بعبارة أخرى: عليك – لكي تحافظ على مكانتك الريادية الراهنة – أن تبذل أقصى ما يمكنك بذله من جهد ووقت وقدرات وإمكانات.. في مواكبة المجريات المتغيرة حولك، واستيعابها، والتطور بها ومعها، لضمان عدم خسارة المستقبل.
أما إذا لم تكن لديك مكانة ريادية راهنة، فعليك أن تضاعف الركض، أو هكذا تقصد “الملكة الحمراء” في قصة “من خلال الزجاج” لـ”لويس كارول”، كفرضية بيولوجية أساساً، تعمل وفق شروط الطبيعة، حيث الحياة لا ترحم، والسباق بين المفترس والفريسة يجري على أشده في ظل شريعة الغاب. من يتعثر أو يتأخر أو يتوقف.. يخسر كل شيء في خضم الصراع من أجل البقاء.
خلال الحرب العالمية الباردة، تمت أدلجة هذه الفرضية البيولوجية. بالمناسبة، منذ البدء و”نظرية النشوء والتطور” ترفد الفصائل المعرفية الأخرى بمصطلحات يساء فهمها، كالبقاء للأقوى أو الأصلح. في البيولوجيا: الصلاح قضية تكيّفية، لا أخلاقية، والقوة تعني قوة التحمل، لا قوة العضلات، وهذا ما يفسر انقراض الديناصورات، وبقاء الكائن المجهري “دب الماء”، باعتباره حالياً أقوى حيوان في العالم.
المهم، خلال تلك الحرب الباردة، كانت فرضية “الملكة الحمراء” هي هاجس السياسة الدولية، كان كل من المعسكرين الدوليين المتصارعين، يرى في “سباق التسلح”، كما في الغابة، قضية مصيرية، وأن توقفه يعني تفوق المعسكر الآخر، ومن ثم الانقراض.
ما حدث لاحقاً، بمفارقةٍ من نوعٍ ما، هو أن المعسكر الشرقي ترنح، وهو يملك أكبر ترسانة أسلحة في العالم.. لم يكن يجب على “حلف وارسو” حصر “حكمة الركض” في الجانب العسكري فقط.. لقد خسر السوفييت، لأنه توقف منذ عقود طويلة عن الركض في جوانب أخرى، هي في الحقيقة محك السباق الوجودي الحاسم.
مضامير العلم والتعليم والتكنولوجيا.. ولاسيما بناء الإنسان وتحرير قدراته الإنتاجية والإبداعية.. هي المضامير الأكثر جدوى في هذا الماراثون الدولي. وهو ما لم تستوعبه بعد حكومات دول كثيرة، ككوريا الشمالية، فضلاً عن إيران والسعودية اللتين تتسابقان منذ عقود على الصدارة في قائمة التسلح، لا قائمة الإنتاج، وبراءات الاختراع.
مع مطلع القرن الماضي، كان العرب خارجين للتو من جمود ألف عام من الانحطاط، وتفاجأوا، كأهل الكهف، بأن العالم تجاوزهم بمسافات حضارية هائلة.. وضعٌ كهذا يفرض على أصحابه عفوياً، بذل جهود مضاعفة لجسر الهوة الهائلة بينهم وبين الآخرين، وحجز موطئ قدم لهم في العالم المعاصر.
وهذا ما فعله العرب طوال القرن الماضي، حتى الآن، ركضنا ومازلنا نركض بكل طاقتنا للركض، وبذلنا ومازلنا نبذل جهوداً جبارة وتضحيات جسيمة.. في كل المراحل، وفي كل الجهات.
لكن تلك الفجوات الحضارية الواسعة التي كانت تفصلنا عن العصر، باتت أكثر اتساعاً، ومازالت تتسع يوماً بعد يوم!
هل التوقف أفضل من بعض الركض؟ وهل الخطأ هو في “فرضية الملكة الحمراء”، أم ربما في ركضنا نحن، في دوافعه وغاياته والوعي المصاحب له؟!
لا شك أن التوقف عن الركض أفضل من الركض في الاتجاه الخطأ، وبالذات إذا كان هذا الركض يتم إلى الخلف، كما في الحنين إلى الماضي، والاعتداد بتاريخ امبراطورية عربية إسلامية “حكمت العالم، وعلمت الغرب الهمجي المتخلف أصول الحضارة والمدنية، وأنتجت عباقرة عظاماً، من مثل الرازي وابن سيناء والخوارزمي وابن النفيس وجابر بن حيان”..
تلك أمة قد خلت، وتجاوزتها الحياة.. علم الخوارزمي اليوم لا شيء أمام الحصيلة العلمية لأي طالب مجتهد في الثانوية العامة.. كوننا مازلنا عالقين في أحسن الأحوال عند الخوارزمي، يبرر الفجوة الحضارية المتسعة باطراد بيننا وبين العالم المعاصر.
لقد توقفنا عن الركض منذ أكثر من ألف عام، وحين انتبهنا إلى أهمية الركض، ركضنا في الاتجاه الخاطئ، وراء الدعوات والأيديولوجيات الرجعية الماضوية.. انقرضت الديناصورات، وانحسر الهنود الحمر، بطريقة أقل بلادة من هذه الطريقة العربية في التدمير الذاتي!
هل اليهود وإسرائيل هما السبب كما يقال؟!
يُفترض أن إعلان العرب لإسرائيل عدواً وجودياً، يحفزهم للدخول معها في ماراثون سباق مصيري، هو بكل المقاييس الموضوعية سباق بين قزم وعملاق.
لكن الصراع انتهى بانقلاب الأمور إلى النقيض، كانت إسرائيل تركض وراء الملكة الحمراء إلى الأمام، وكنا نركض وراء المستبدين ورجال الدين إلى الخلف، بالشكل الذي توضحه بمرارة المقارنة الموضوعية بين الطرفين، كالحصول على جائزة نوبل، على سبيل المثال.
من ضمن ما يزيد على 800 شخص حازوا على جائزة نوبل بين العامين 1901 و2015م، نجد فقط 7 من العرب، في مقابل 12 إسرائيلياً، حصلوا على الجائزة، وتماشياً مع فرضية الصراع الديني، هناك فقط 12 مسلماً، في مقابل 178 يهودياً، من جنسيات مختلفة، حصلوا على هذه الجائزة، في مختلف المجالات، رغم أن نسبة اليهود لا تزيد على 0.2%، مقارنة بالمسلمين الذين يشكلون ربع سكان العالم!
لقد تقزم العملاق، وتعملق القزم، وتفوقت إسرائيل حتى في سباق التسلح. وفي كل حال، سادت خلال التاريخ الطويل، امبراطوريات كثيرة، ثم بادت.. لأسباب لا تتعلق بالضرورة بخصومها، بل بالجمود العقلي والأيديولوجيات المتصلبة، والشعور بالكمال أو العجز، والتوقف عن الإبداع والإنتاج، والانهماك في شؤون وصراعات جانبية، والانسحاب من السباق الدولي.

 

 

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *