أرشيفتقاريرسلايدر

تعقيدات منح “البطاقة وجواز السفر”: سوق سوداء بين صنعاء وعدن

تعقيدات منح “البطاقة وجواز السفر”:
سوق سوداء بين صنعاء وعدن

المدونة اليمنية – خاص:

المعاناة في اليمن تشمل كل شأن من شؤون الحياة، حتى حصول المواطنين على وثائق إثبات الهوية (البطاقة الشخصية وجواز السفر)، بات أمراً صعباً ومعقداً للغاية، بسبب عراقيل اصطنعتها جماعة الحوثي من جهة، والحكومة الشرعية المعترف بها دولياً من جهة أخرى، وذلك لأغراض سياسية، وأهداف خاصة لكليهما.
وأدت تلك التعقيدات إلى وقوع مشكلات عديدة، ضاعفت من آلام المواطنين المنهكين من تداعيات الحرب المندلعة في البلاد منذ نحو 6 أعوام.
محمد عبدالعزيز (35 عاماً) يروي لـ”المدونة اليمنية” رحلة معاناته من أجل الحصول على “البطاقة والجواز” لكي ينقل والدته للعلاج في الأردن.
يقول محمد: “بشكل مفاجئ أصيبت والدتي بمرض في القلب، أخبرنا الأطباء باستحالة علاجها في مستشفيات اليمن، خاصة مع تدهور القطاع الصحي فيها، الأمر الذي استدعى نقلها لأحد المستشفيات في الأردن، لم تكن والدتي تمتلك جواز سفر، فضلاً عن عدم امتلاكها بطاقة شخصية، لم نكن نعرف أننا سنواجه عقبات ومطبات مؤلمة عندما بدأنا أولى خطوات رحلتنا في الحصول على البطاقة الشخصية”.
في البداية، تواجه محمد إلى أحد فروع الأحوال الشخصية في صنعاء “فأخبرنا مسؤولو الفرع أنهم غير قادرين على إصدار بطاقة جديدة بسبب عطل أصاب نظام شبكة مصلحة الأحوال، وعلينا الانتظار 3 أيام حتى يتم إصلاح العطل. مر الوقت، ولم تتم صيانة الشبكة”.
يفيد محمد أنه تلقى نصيحة بالتوجه إلى المركز الرئيسي لمصلحة الأحوال المدنية: “وهناك بدأنا المعاملة حتى أكملنا تعبئة الاستمارة وتوقيع الشاهدين وختمها من عاقل الحارة، وحينما قمنا بتسليمها أخبرنا الموظف المختص أننا لن نتمكن من الحصول على البطاقة بسبب نفاد الكروت الخاصة، وأنه سيتم تسليمنا ورقة استبيان بديلة عن البطاقة لحين استقدام كروت جديدة من خارج اليمن”.


يواصل عبدالعزيز سرد حكايته: “لم يكن لدينا أي خيار آخر سوى القبول بورقة الاستبيان البديلة عن البطاقة، وبعدما حصلنا عليها ذهبنا إلى مصلحة الهجرة والجوازات بصنعاء، وحصلنا على قرار استثناء بقطع جواز جديد، وبالفعل حصلنا على الجواز، وعندما أردنا الحجز للسفر أخبرونا بأن الحكومة الشرعية أصدرت قراراً بأن الجوازات الصادرة عن العاصمة صنعاء غير مقبولة، ويجب علينا أن نقطع جوازاً جديداً من المناطق الخاضعة لسيطرة حكومة الشرعية”.
وهنا بدأت مرحلة جديدة من المتاعب. يقول محمد: “كنا نسابق الزمن من أجل إنقاذ حياة والدتي من الموت، فقررنا التوجه إلى مدينة عدن لقطع جواز جديد، ومن ثم السفر إلى الأردن عبر مطار عدن، وبعد سفر شاق عبر البر من صنعاء إلى عدن، وصلت أنا ووالدتي إلى مصلحة الجوازات هناك، وحينما أردنا بدء معاملة استخراج الجواز الجديد لي ولوالدتي، أخبرونا هناك بعدم قبولهم ورقة الاستبيان البديلة عن البطاقة الشخصية الصادرة من مصلحة الأحوال التي يسيطر عليها الحوثيون في صنعاء، كونها ورقة مؤقتة تنتهي صلاحية العمل بها خارج صنعاء ومناطق الحوثيين، وأنه يجب علينا أن نستخرج لوالدتي بطاقة شخصية جديدة من عدن”.
وهكذا بدأ محمد ووالدته في عدن إجراءات معاملة جديدة لاستخراج بطاقة شخصية. استمر الحال نحو أسبوعين، “وبالكاد تم استخراج البطاقة الشخصية الجديدة لوالدتي، بعد أن دفعنا مبلغاً مالياً مضاعفاً للحصول عليها بأسرع وقت، لنبدأ بعدها رحلة جديدة لاستخراج جواز السفر، وبعد نحو 3 أسابيع ومحاولات مضنية ومكلفة، اضطررنا إلى دفع أموال مضاعفة مقابل تسهيل الحصول على جوازي الجديد وجواز والدتي، وبالفعل حصلنا عليهما بشق الأنفس، لم يكن همي في ذلك الوقت إلا علاج والدتي، وكانت الخسائر المالية لمكوثي في مدينة عدن لأسابيع طويلة، تتضاعف يوماً بعد آخر، وبالفعل سافرنا، لكن بعد عناء ومشقه وخسارة أموال طائلة”.
قصة محمد عبدالعزيز هي واحدة من بين مئات القصص المحزنة التي تعكس حجم الأضرار والانتهاكات التي تسببت بها جماعة الحوثي والحكومة الشرعية، حتى في أبسط الحقوق التي تكفل للمواطن اليمني الحصول على البطاقة الشخصية وجواز السفر.
لقد أصبحت عملية قطع البطائق الشخصية في كل من صنعاء وعدن، أشبه بتجارة السوق السوداء، حيث يشارك فيها المسؤولون عن إدارات الأحوال الشخصية في كلا المدينتين، من أجل الاسترزاق على حساب معاناة الناس، وذلك بحسب إفادات من مواطنين تحدثوا لـ”المدونة اليمنية”.
ويقول الشاب العشريني منيف المقطري لـ”المدونة اليمنية”، إنه اضطر إلى “دفع مبلغ 25.000 ريال (50 دولاراً أمريكياً) مقابل الحصول على البطاقة الشخصية من صنعاء”، حتى لا يتأخر في قطع جواز من أجل السفر في وقت سريع إلى روسيا، حيث حصل على منحة للدراسة هناك.
قبل انقلاب الحوثيين على الدولة اليمنية، كان المواطن اليمني يدفع 2500 ريال (5 دولارات) مقابل حصوله على البطائق الشخصية، وفق إجراءات سهلة وسلسة.
وبحسب وكيل مصلحة الأحوال المدنية المعين من الحوثيين، محمد عبدالعظيم الحاكم، فإن إيرادات مصلحة الأحوال المدنية في صنعاء لوحدها بلغت أكثر من 172 مليون ريال.
ويبرر مدير الأحوال المدنية المعين من الحوثيين، العقيد فضل الجبوبي، عدم تمكنهم من قطع بطائق شخصية جديدة للمواطنين، قائلاً إنه “خلال العامين الماضيين انعدمت البطائق الشخصية بشكل كامل، لعدم تمكن الشركة المتعاقد معها من قبل الحكومة، من إيصال كروت البطائق الشخصية إلى اليمن، بسبب حصار العدوان (في إشارة منه إلى التحالف بقيادة السعودية)، وبسبب الحصار على اليمن، وأنه تم عمل نموذج بديل عبارة عن وثيقة أو استبيان إصدار آلي وفق معايير ومواصفات للاستخدام المحلي وضوابط آمنة”.
وأشار الجبوبي إلى أنه “بعد وصول 500 ألف بطاقة شخصية تسلسلية تم إدخالها إلى اليمن، تم استبدال كل من منح استبياناً ببطائق شخصية تلقائياً”.
لكن مسؤولين في وزارة الداخلية التابعة للحكومة الشرعية، ينفون وجود حصار على الكروت الخاصة بالبطائق الشخصية التي تصدر من مصلحة الأحوال الشخصية الخاضعة لجماعة الحوثي. وينفي العقيد محمد عيدروس، وكيل مصلحة الأحوال والسجل المدني في الحكومة الشرعية، لـ”المدونة اليمنية” صحة المعلومات المتداولة عن وجود حصار على استقدام كروت جديدة للبطائق الشخصية.
ويقول عيدروس: “جماعة الحوثي تستغل معاناة الناس، وتستغل احتياجهم للبطاقة الشخصية لتحصيل ملايين الريالات لدعم مجهودها الحربي، فالابتزاز يُمارس بشكل يومي تجاه المواطنين في صنعاء والمناطق الواقعة تحت سيطرة الحوثيين”.
وعن السبب الرئيسي لتأخر صرف البطائق الشخصية في مصلحة الأحوال المدنية والسجل المدني بمدينة عدن، يقول وكيل وزارة الداخلية لقطاع خدمات الشرطة في الحكومة الشرعية، اللواء الركن محمد مساعد الأمير، إن “الحصول على البطاقة الشخصية مايزال مرتبطاً بالربط الشبكي المتحكم بصرف الأرقام الوطنية، الذي مازال مركزه في صنعاء بقبضة جماعة الحوثي، ونحن في عدن ننفذ الإجراءات الرسمية من خلال قيام الموظفين المختصين بتعبئة بيانات طالبي الحصول على البطاقة الشخصية في الاستمارات الرسمية، ومن ثم يتم إرسال تلك الاستمارات إلى صنعاء، وتبقى لديهم أحياناً لأكثر من شهر ونصف”.
ويرى خبراء أمنيون أن الحل الأنسب لهذه المشكلة “هو أن تتخذ وزارة الداخلية في الحكومة اليمنية الشرعية قراراً باعتماد تسلسل جديد للأرقام الوطنية”.

حرب الجوازات:

في أواخر مايو 2016، أصدرت الحكومة اليمنية الشرعية جوازات سفر لليمنيين من داخل البلاد، لأول مرة منذ سيطرة جماعة الحوثي على العاصمة صنعاء، وسيطرتها على مصلحة الجوازات هناك، وتم إصدار الجوازات عبر مراكز إصدار آلي، في كل من محافظتي “عدن ومأرب” ومدينة “سيئون” بمحافظة “حضرموت”. وفي ذات الفترة أصدرت الشرعية جوازات سفر لحاملي بطائق “هوية زائر” لليمنيين المقيمين في “السعودية”، والبالغ عددهم نحو 463 ألف شخص.
كما فتحت الحكومة الشرعية مكاتب لإصدار الجوازات عبر عدد من السفارات اليمنية في الخارج، وقامت بربطها بسيرفرات خاصة بكل سفارة فيها جالية يمنية، وربطها بالنظام الإلكتروني الحكومي، لتسهيل الحصول على الجوازات في الدول التي فيها أعداد كبيرة من اليمنيين.
في الـ5 من يوليو 2018، مُنع المواطنون اليمنيون الذين يحملون جوازاً تاريخ إصداره من مصلحة الجوازات في صنعاء للعام 2016 وما بعده، من السفر إلى أية دولة، بموجب قرار صادر عن الحكومة الشرعية، الأمر الذي زاد من تعقيد الوضع المعيشي للمواطنين القاطنين في المناطق الواقعة تحت سيطرة الحوثيين، كما يرى الصحفي علي جابر.
ويقول جابر في حديثه لـ”المدونة اليمنية” إن “ذلك القرار قاسٍ، ولا يتناسب مع الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعاني منها المواطنون في هذه الفترة، كون الحصول على الجواز من “عدن أو سيئون أو مأرب” يلزم المواطنين بالسفر لتك المحافظات، وبالتالي سيتحمل المواطن، وبالذات إذا كان مريضاً أو حتى مرافقاً للمريض، أو طالباً، أو معتمراً أو حاجاً، أو حتى رجل أعمال، سيتحمل تكاليف إضافية لمصاريف الإقامة من فنادق وأكل وشرب ومواصلات في مناطق إصدار الجوازات”.
ويدافع مسؤولون في الحكومة الشرعية عن قرار منع التعامل مع الجوازات الصادرة من صنعاء، ويرجعون ذلك إلى أن “جماعة الحوثي عمدت إلى إصدار عشرات الجوازات الدبلوماسية والخاصة لعناصرها، كما أصدرت المئات لأتباعها لأغراض سياسية وعسكرية وحربية”.
وكان العقيد عبدالسلام أحمد البشير، مدير عام جوازات محافظة مأرب، كشف، في وقت سابق، عن محاولة جماعة الحوثي تزوير الجوازات الصادرة عن الحكومة الشرعية. ويقول البشير إن “جماعة الحوثي لجأت إلى السوق السوداء، وقامت بطباعة جوازات لا تحمل العلامات الأمنية والدقة العالية والمواصفات العالمية في شركات شرق آسيوية غير مرخص لها”.

لا وجود للدفاتر:

ومنذ دخل قرار منع التعامل بالجوازات الصادرة عن العاصمة صنعاء ومناطق سيطرة الحوثيين، حيز التنفيذ، زادت الضغوط على العاملين في مراكز الإصدار الآلي التابعة للحكومة الشرعية، وأصبح من المألوف أن يشاهد الناس مئات المواطنين وهم مصطفون في طوابير طويلة أمام بوابة مصلحة الهجرة والجوازات في كل من “عدن ومأرب”، صباح كل يوم، للظفر بجواز سفر.
يقول علي الشهاري، أحد المواطنين القاطنين في العاصمة صنعاء: “كانت رحلتي شاقة حينما ذهبت لقطع جواز سفر إلى مدينة مأرب، أنا ووالدي وشقيقي، مررنا بمئات نقاط التفتيش الممتدة على طول الطريق، وحينما وصلنا لم نستطع الدخول لبوابة فرع مصلحة الجوازات، لأن مئات الناس كانوا قبلنا في انتظار إكمال معاملتهم منذ 5 أيام، ولم نستلم جوازاتنا إلا بعد شهر، وبذلك نعتبر أننا محظوظون لأن لدينا من يتوسط لنا هناك”.
وفي الوقت الذي كان يشكو فيه المواطنون من تزايد أعداد السماسرة والوسطاء بينهم وبين إدارة الجوازات، حيث يضطر المواطن لدفع آلاف الريالات كرشاوى تذهب إلى أولئك السماسرة، برزت مشكلة جديدة، وهي توقف مصلحة الهجرة والجوازات التابعة للحكومة الشرعية عن إصدار الجوازات منذ نحو 3 أشهر ماضية.
وبحسب مصادر أمنية تحدثت لـ”المدونة اليمنية”، فإن “كشوفات أسماء طالبي الحصول على الجوازات تمر عبر جهازي الأمن القومي والسياسي اليمنيين، للمراجعة، ومن ثم يتخذ قرار الصرف أو عدمه”، لكن التصريحات الرسمية للمسؤولين تقول إن “دفاتر الجوازات نفدت”.
ويقول محمد عباد، مدير عام مصلحة الهجرة والجوازات بمدينة “عدن”، إن “هذا التوقف مسألة وقت ليس إلا، وستعود الأمور إلى وضعها الطبيعي”.
وأضاف أن “المصلحة ستستأنف عملها بإصدار الجوازات في منتصف شهر أبريل” الجاري، مرجعاً أسباب التوقف إلى “نفاد المخزون من مخازن المصلحة في الرياض، وتأخير توقيع الاتفاقية مع الشركة القائمة على طباعة الجوازات”. مؤكداً أن “هناك عدداً محدوداً جداً من الجوازات متبقية في المصلحة، وتصرف فقط للجرحى والمرضى الذين يحملون تقارير طبية موثوقة”.
وبشأن رسوم استخراج الجواز، شدد عباد على أن “الرسوم معروفة للجميع، ولا توجد أية زيادة في أسعارها، حيث يدفع المواطن 7500 ريال يمني”.
ويؤكد العميد عبدالقوي باعش، ما قاله عباد، ويضيف أن “سبب التأخير هو الإقبال الكثيف من قبل المواطنين على قطع جوازات جديدة، إضافة إلى أن كميات كبيرة من الجوازات الجديدة تطبع الآن في بلغاريا”.
ويقول باعش متحدثاً لـ”المدونة اليمنية”: “الجوازات ستصرف بشكل اعتيادي فور توفرها في الأيام القليلة القادمة، وستنتهي الأزمة”.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *