أرشيفتقاريرسلايدر

جدران صنعاء.. كتابات طائفية تلخص المرحلة

المدونة اليمنية - خاص:

وأنت تمشي في شوارع وأزقة العاصمة صنعاء، لا بد أن تصادف عيناك لوحة معلقة، أو ملصقاً، أو كتابات على الجدران تحوي عبارات تُقدس مؤسس جماعة الحوثي وزعيمها الحالي، وتجعل من رمزيات المذهب الشيعي وشعاراته رمزياتٍ وشعارات تملأ الفضاء العام لمجتمع متعدد، ليس شيعيا بالكامل وليس سنياً بالكامل أيضا.
كتابات ورسومات الجدران لا تخلو أيضا من التحريض على العنف والاقتتال ونبذ الآخر.

كتابة وطباعة ولصق الشعارات، على جدران الأزقة والممرات والشوارع الرئيسية والفرعية في المدن والقرى التي تسيطر عليها، سلوك حرصت من خلاله الجماعة على التعبير عن أيديولوجيتها، وإيصال رسائلها في كل مناسبة تحييها.
وقد شكلت الجماعة فرقاً على مستوى المديريات والحارات، مهمتها الكتابة على الجدران.
“المدونة اليمنية” التقت بمتخصصين في “علم النفس والاجتماع والإعلام”، للبحث عن الظاهرة التي يرى البعض منهم بشأنها أن «جماعة الحوثي قد أفرطت في استخدامها للكتابة على الجدران، حتى أضحت مملة لدى الناس».
بينما يرى آخرون أن «الحوثيين يهدفون من وراء الكتابة على الجدران، إلى إيصال رسائلهم إلى الناس، بالطريقة والوسيلة التي تشد الانتباه، كون تلك الكتابات لها تأثير نفسي وبصري عميق، فهي تظل ملازمة لأعين الناس حتى بعد مرورهم من تلك الجدران» طبقاً لتعبير البعض.

نزعة طائفية

من خلال رصد “المدونة اليمنية” للعبارات التي يكتبها الحوثيون في الجدران وفي الملصقات واللافتات، فإن تلك العبارات لا تخلو من الشحن الطائفي، والتحريض على كل من يخالف الجماعة الحوثية، ونعتهم بـ”الدواعش” أو “المرتزقة”.
 وفي حديثها لـ”المدونة اليمنية”، تؤكد أستاذة الاتصال والمجتمع، في جامعة القاهرة، الدكتورة نجوى كامل، أن «الجماعات الإرهابية هي أكثر الفئات التي تلجأ إلى إيصال رسائلها بواسطة الكتابة على الجدران».
وتقول كامل: «بشكل عام، تعتبر الكتابة على الجدران وسيلة هدفها الأساسي إخراج شحنة انفعالية وقتية للكاتب… وهي وسيلة للتنفيس أكثر، وكما هي موجودة في اليمن، فقد ظهرت أيضاً في مصر  بعد ثورة ٣٠ يونيو التي عزلت جماعة “الإخوان” عن حكم مصر… وكانت تلك العبارات في معظمها معبرة عن كراهية أفراد من المنتمين للجماعة، لمكتسبات ثورة يونيو، ثم زادت الكراهية بعد فض اعتصام رابعة».
وتضيف:  «تعتبر الكتابة على الجدران وسيلة عجز، وتأثيرها على المتلقي  محدود».
ومن وجهة نظر الخبيرة الإعلامية نجوى كامل، فإن «السؤال الذي يطرح نفسه في هذا الموضوع، هو: لماذا يلجأ أفراد منتمون للجماعات الإرهابية، إلى الكتابة على الجدران؟ والجواب يكمن في الآتي، أولاً: لأنهم جبناء، فهم أشخاص أو شخص يكتب على الجدران، ويختفي، وغير مضطر إلى أن يظهر باسمه أو بصورته، كما يحدث في وسائل التواصل الاجتماعي. ثانياً في الغالب ستجد من يلجأ للكتابة على الجدران محدودي التعليم والثقافة، ويعتقدون أنهم يقومون بدور وطني عندما يكتبون على الجدران، ومن خلال كم الأخطاء الإملائية والنحوية في كل جملة مكتوبة، نعرف محدودية تعليمهم».
ويرى سعيد الكازمي، الباحث في علم الاجتماع بجامعة عدن، أن «تعمد الحوثيين الكتابة على الجدران بشكل منظم، يعد انعكاساً للمضمون الاعتقادي والموقفي الذي يطرحونه».
ويقول الكازمي متحدثاً لـ”المدونة اليمنية”: «لقد تحولت جدران العاصمة صنعاء والمناطق الواقعة تحت سيطرة جماعة الحوثي، إلى ساحة مفتوحة لتعبئة المشاة بالفكر الحوثي».

هيجان نفسي

“وتعتبر الكتابة على الجدران من الأسباب التي يتحكمُ بها العقل الباطن في الإنسان، وتدفعه للقيام بتصرفاتٍ غير قادرٍ على التحكم بها، والأشخاص الذين يستخدمون الكتابة على الجدران يعانون من اضطرابات نفسيّة، ولا يدركون أن ما يقومون به مرتبطٌ بالسلوك العدائي الذي قد يعتمدُ على استخدامِ الكتابة على الجدران كوسيلةٍ خاطئةٍ للتعبير عن النفس»، كما يرى الأخصائي النفسي فكري عبدالحميد، في حديثه لـ”المدونة اليمنية”.
ويقول الدكتور فكري عبدالحميد، استشاري الأمراض النفسية والعصبية، إن «إدمان الكتابة على الجدران ربما يكون عدائياً في بعض الأحيان، وربما يكون تعبيراً عن إحباط تعيشه الجماعة، أو الشخص الذي أقدم على الكتابة على الجدران، في أحيان أخرى».
بينما يرى الدكتور عبدالحافظ الخامري، أستاذ علم النفس في جامعة صنعاء، في تصريحات صحفية سابقة، أن «الكتابة على الجدران أسلوب أدائي، وفيها إخلال بالذوق العام، وبالتالي عادة يكون من يكتب على الجدران متخفياً».

تشويه متعمد

ولم تسلم عدد من المدن التاريخية والعتيقة كـ”صعدة” و”زبيد” وحتى “صنعاء القديمة” أيضاً، بعمقها التاريخي وجمالها البديع، من التشويه بالكتابة على جدرانها، وطلائها بالألون المختلفة، الأمر الذي استدعى تدخل المهتمين في الحفاظ على المدن التاريخية، وعدد من الناشطين.
وكانت وزارة الثقافة اليمنية أدانت، في أوقات ماضية، التشويه المتعمد الذي تمارسه جماعة الحوثي بحق صنعاء القديمة والمعالم التاريخية في مدن أثرية أخرى.
واعتبر  زايد جابر، وكيل وزارة الثقافة، أن «تشويه مليشيات الحوثي المناظر والملامح الجمالية لصنعاء القديمة، أمر كارثي مرفوض ومدان».
من جانبه، كتب وزير الثقافة اليمني الأسبق خالد الرويشان، “نداء للعالم”، قال فيه: «أوقفوا هذه المهزلة، اليونيسكو لن تسكت، ونحن أيضاً، أوقفوا تلطيخ بيوت مدينة صنعاء القديمة”. مضيفاً: “هذه مدينة ضمن أهم مواقع التراث الإنساني والعالمي».
وخاطب الرويشان الحوثيين، في منشور بصفحته على “فيسبوك”، قائلاً: «تذكّروا اليونيسكو تابعة للأمم المتحدة، ناقصين قرارات، أليس كذلك؟ مازلتم عالقين في القرارات السابقة». وتابع: «أتمنى فقط أن نصْحُو صباحاً وقد تمت إزالة هذه التشويهات التي ستقلب العالم على رؤوسكم اليوم قبل الغد».

عنجهية

ويشكو المواطنون من أن الحوثيين لا يستأذنون أحداً عندما يكتبون شعاراتهم بالطلاء الملون على جدران المنازل في القرى والمدن، ويقول إبراهيم الحواتي، أحد ساكني العاصمة صنعاء: «لا نعرف متى يأتي الحوثيون عندما يكتبون عباراتهم ويلصقون شعاراتهم على جدراننا. أليس من الآداب أن يستأذنونا؟». ويضيف الحواتي متحدثاً لـ”المدونة اليمنية”: «لا يحق لنا كمواطنين أن نعترض على أي سلوك يقوم به الحوثيون، حتى وإن كان مخالفاً للذوق العام».
وتصاعدت في الآونة الأخيرة حملات شعبية لطمس شعارات جماعة الحوثي في العاصمة اليمنية صنعاء، ومحافظات إب، البيضاء، والحديدة، التي تحررت أجزاء شاسعة من مناطقها، وسط حالة سخط شعبي ضد الجماعة الحوثية التي حولت حياة اليمنيين إلى جحيم بتصرفاتها اللامسؤولة.
اظهر المزيد

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *