
المدونة اليمنية – خاص:
قبل أكثر من 70 عاماً كان الأئمة، ووكلاؤهم، في مختلف المناطق اليمنية، يعتمدون على الإتاوات التي يجنونها من القبائل اليمنية، بوسائل وأساليب مختلفة عانى الناس من تبعاتها، وذاقوا بسببها الأمرين. ويحاول الحوثيون اليوم السير على النهج نفسه، بمن فيهم آل حميد الدين، الذين قامت ضدهم ثورة الـ26 من سبتمبر.
وبالرغم من كهنوتيتهم لم يجرؤ الائمة السابقون صراحة على فرض إتاوات تحت مسمى الخُمس، كما تفعل المليشيات الحوثية وتحاول تحقيقه في وقتنا الراهن، إذ لم تكفِ المليشيا مليارات الريالات التي تجنيها من أموال الزكاة، ولا الأموال التي تسرقها من الضرائب والأوقاف والجمارك والمشتقات النفطية وقطاع الاتصالات، وباقي القطاعات الاقتصادية الأخرى، حتى أصدرت مسودة لقانون الخُمس الجديد، المثير للجدل؛ فما هو الخُمس؟وهل ستنجح الميلشيات الحوثية بفرضه على اليمنيين؟
الجباية باسم الدين
قبل أن يشرع الحوثيون بتسريب وثيقة قانون الخُمس الجديد، أنشأوا ما تسمى الهيئة العامة للزكاة، بقرار من المجلس السياسي الأعلى الخاص بهم، في منتصف مايو/أيار من العام قبل الفائت؛ في مسعى منهم لإلغاء كلٍّ من صندوق الرعاية الاجتماعية، وصندوق دعم النشء والشباب، وصندوق رعاية وتأهيل المعاقين، وصندوق التراث والتنمية، حيث قلصت المليشيا ميزانيات تلك الصناديق، وأوقفت تحويل الأموال التي كانت مخصصة لها، ووجهتها إلى هيئة الزكاة الجديدة، حينها صدرت وعود قيادات المليشيا الحوثية بإغداق الأموال على كافة فقراء اليمن، وكان أول ما قامت به الهيئة هو تشكيل لجان لصرف مبلغ 15 ألف ريال للفقراء من الموالين للمليشيا في صنعاء والمناطق الواقعة تحت سيطرتهم، عشية عيد الفطر المبارك عام 2018، ومنذ ذلك الحين لم تقدم الهيئة أية مساعدات مالية لعامة الشعب، وفقاً لمواطنين تحدثوا لـ”المدونة اليمنية”.
ووفقاً لمصادر في هيئة الزكاة الحوثية، في حديثها لـ”المدونة اليمنية”، فإن تحصيلات المليشيا من أموال اليمنيين، بلغت أكثر من 43 مليار ريال يمني، حتى منتصف العام الجاري، كما رفعت المليشيا زكاة الفطر المفروضة على المواطنين الأفراد، إلى 500 ريال على النفس الواحدة، وارتفعت الزكاة المفروضة على الشركات والمؤسسات التجارية وحتى المحلات العادية، بنسبة تجاوزت 50%؛ ومقارنة بفترة ما قبل عام من الانقلاب الحوثي، فقد كانت مكاتب الواجبات في كافة المحافظات اليمنية تتحصل نحو 12 مليار ريال، منها أكثر من 7 مليارات ريال، كانت تورد من العاصمة صنعاء وحدها.
في تصريحات صحفية، قال شمسان أبو نشطان، رئيس الهيئة العامة للزكاة التابعة للحوثيين، إن «هيئة الزكاة صرفت ما يقارب 52 مليار ريال يمني بشفافية مطلقة وأمام الجميع»، لكن مواطنين يتساءلون أين ذهبت تلك الأموال؟ ولمن صُرفت؟
يوضح تقرير مفصل صادر عن هيئة الزكاة الحوثية، نشرته على صفحتها بموقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، أن «490 مليوناً و500 ألف ريال، صُرفت في مصرف “سبيل الله”، كمساعدة للحوثيين في جبهات القتال، و196 مليون ريال، صُرفت للجرحى والمفقودين الحوثيين من مصرف سبيل الله، تنوعت ما بين مواد غذائية، وعسل، وزبيب، ومساعدات نقدية لأكثر من 1500 جريح حوثي، و250 مليون ريال، صُرفت كدعم للمشروع الخيري الذي أقامته مؤسسة بنيان (جمعية خيرية حوثية)، و20 مليون ريال، صُرفت كسلال غذائية لفقراء محافظة صعدة، و126 مليون ريال، صُرفت في مصرف سبيل الله، كمساعدة لأسر الأسرى
والمفقودين الحوثيين، و200 مليون ريال، صُرفت في مصرف سبيل الله، كمساعدة لأسر قتلى الحوثيين، و30 مليون ريال، صُرفت في مصرف سبيل الله، كسوة العيد لأبناء قتلى الحوثيين، و432 مليون ريال، صُرفت لدعم مؤسسات حوثية، ومليار ريال مقابل 50 ألف سلة غذائية لأسر المرابطين الحوثيين في الجبهات، بالشراكة مع مؤسسة يمن ثبات».
يتضح مما سبق أن ما صرفته المليشيات الحوثية من أموال الزكاة، تصب في مجملها لمقاتلي المليشيا، هذا من غير الأموال التي تصرفها المليشيا على المشرفين على مستوى المحافظات، وحتى الأحياء والحارات في مختلف المناطق الواقعة تحت سيطرتها، إضافة إلى المساعدات المالية التي قدمتها المليشيا لحزب الله اللبناني، من أموال زكاة اليمنيين، حيث نقلت وسائل إعلام تابعة للحوثيين، إن المليشيا جمعت في يوليو من العام الفائت، ما يقدر بـ132 ألف دولار، حملة رسمية وشعبية لدعم حزب الله، من بينها أموال تابعة لهيئة الزكاة.
تتنافى تلك المعطيات مع الادعاءات التي تسوقها المليشيات الحوثية بأنها تصرف أموال الزكاة التي تجنيها من المواطنين اليمنيين، في المصارف الشرعية الثمانية التي حددها الفقه الإسلامي.
عنصرية ومذهبية مقيتة
لم تكتفِ المليشيات الحوثية، بالأموال التي تسرقها من اليمنيين تحت مسمى الزكاة، بل عمدت إلى إيجاد مورد جديد للسرقة تحت مسمى “الخُمس”، وهو فرض مالي محدد بنسبة يتعلق بأنواع من المال، تفرضه الشيعة الإمامية على أتباعها بتقديمه لمن يسمون الهاشميين أو السادة أو آل البيت، وهم الأشخاص الذين يقولون إنهم ينتمون للنبي محمد في النسب والقرابة.
وبحسب قانون الخُمس الجديد الذي أصدرته المليشيا الحوثية، يحق لـ”بني هاشم” الاستيلاء على ما يسمى الخُمس (20%) من ثروات اليمن، سواء كانت في البر أو في البحر أو ملكاً للدولة أو المواطنين.
وحدد قانون الخُمس الحوثي أن غنائم الحرب، والمعادن، والكنز، والغوص، والمال الحلال المخلوط بالحرام، والأرض التي يمتلكها الذمي من المسلم، وأرباح المكاسب كأرباح التجارة وما شابهه.. كلها يجب تسليم خُمسها للهاشميين، بموجب الشرع، معتمدين في تفسيرهم المغلوط على الآية 41 سورة الأنفال، التي نصت على منح خُمس غنائم المعارك التي خاضها المسلمون، للرسول وأهل بيته.
أوهم الحوثيون الناس أن الخُمس ورد ذكره في قانون الزكاة اليمني الصادر سنة 1999، وأن الحوثيين وضعوا له لائحة تنفيذية.
ويؤكد محمد عزان، القيادي السابق في المليشيا الحوثية قبل التأسيس، أن «لا صحة بأن الخُمس كان موجوداً في قانون الزكاة اليمني الصادر سنة 1999، لأن ذلك القانون ورد في الزكاة وليس في الخُمس، حيث بينت المادة 20، أن زكاة الرّكاز، والمعادن هو الخمس، وليس ربع العشر كما في الذهب والفضة، وزكاة الركاز والمعادن هنا كأية زكاة تصرف في مصارفها الثمانية المعروفة، ولائحتها التنفيذية هي نفس لائحة الزكاة، أما الخُمس الذي في قانون الحوثيين الجديد فهو شيء آخر غير الزكاة كلياً، ولم يُذكر في القانون اليمني أصلاً، هو يتحدث عما يؤخذ من الغنائم وسائر ثروات البلاد، ابتداء من صيد البحر، وانتهاء بالبترول والمعادن، ولا علاقة له بمصارف الزكاة، وإنما يصرف كما ذكروا لبني هاشم خاصة».
في حديثه لـ”المدونة اليمنية”، يقول المؤرخ اليمني بلال الطيب، أن «الأئمة كانوا يمارسون أبشع انتهاكات الجباية غير المشروعة في حق اليمنيين، وأن المـُؤرخ الجنداري، ذكر في كتابه “الجامع الوجيز”، أنَّه -أي ذات الإمام- كان على مَذهب “الهادي” يحيى بن الحسين، إلا أنَّه “كان يَأخذ الزكاة دون النصاب الشرعي، من القليل والكثير”، والأسوأ من ذلك أنَّه أفتى بأخذ الزكاة لثلاث سنوات قادمة تحت مُسمى “واجبات المُستقبل”، وأمر عُماله بألا يتركوا للمُزارعين إلا ثلث مَحاصيلهم، وها هو الحوثي يمارس أبشع أنواع الانتهاكات بحق اليمنيين وأموالهم من خلال قانون الخُمس الجديد».