المدونة اليمنية –صنعاء
يجد التاجر محمد الوصابي نفسه حزيناً قبيل عيد الأضحى، كما هو الحال مع كل مناسبة استحدثها الحوثيون منذ سيطرتهم على العاصمة صنعاء، لأنه سيفقد الكثير من أمواله التي بالكاد يحصل عليها مقابل بيعه مجموعة من أدوات التجميل النسائية، ويسلمها للحوثيين الذين يأخذونها منه بقوة السلاح، الوصابي كغيره من رجال المال والأعمال وأصحاب المحلات التجارية، وحتى المواطنين البسطاء الذين أرهقتهم جبايات وإتاوات جماعة الحوثي المتزايدة يوماً بعد آخر، أصبحوا في حال ضيقة، وبات خطر الإفلاس يهدد معيشتهم.
تصف كافة التقارير الموثّقة الصادرة عن الأمم المتحدة جماعة الحوثي بـ”سلطة جبايات”، ويصف اليمنيون الذين تحدثوا لـ”المدونة اليمنية”، الحوثيون ب”المتسلبطين” الذين يسرقون أموال الناس نهاراً جهاراً دون حسيب أو رقيب.
سرقة بالترهيب :
لم يكتف الحوثيون بالإيرادات المالية التي يجنونها من أهم الشركات والمؤسسات الاستثمارية في اليمن كشركة “يمن موبايل”، و”المؤسسة الاقتصاديّة”، والمؤسسة العامة للاتصالات السلكيّة واللاسلكيّة، والمؤسسة العامة للبريد والتوفير البريدي، ومصلحة الضرائب، ومصلحة الجمارك، وإيرادات أمانة العاصمة ودواوين عموم المحافظات، والمؤسسات التابعة للثروة السمكية، وضرائب القات، وأرباح بيع البترول والغاز، وضرائب المبيعات على السيارات. كما لم يكتفوا بمرتبات موظفي الدولة التي لم تُصرف منذ سنوات.
اتجه الحوثيون لجمع جبايات تحت مسميات مختلفة، كـ”دعم المولد النبوي-دعم البنك المركزي-دعم المرابطين في النقاط الأمنية والحارات-دعم الجبهات بتقديم الأضاحي في العيد-دعم المجاهدين بالبطانيات في الشتاء-دعم إفطار المجاهد الصائم-دعم الاحتفال بيوم الولاية -دعم أحفاد بلال-دعم قوافل عيد الفطر-دعم أسر الشهداء-دعم أسر وعائلات الأسرى- التبرع للقوة الصاروخية- الزكاة – الأوقاف – الضرائب- العقارات والأراضي- الخُمس- جبايات لإسقاط الأمطار”، جميعها مسميات رصدتها “المدونة اليمنية” لجبايات وإتاوات تفرضها جماعة الحوثي على اليمنيين، في كل مدينة وكل عزلة ومديرية ومنطقة وقرية واقعة تحت سيطرتها.
تستخدم الجماعة الانقلابية شتى الأساليب الترغيبية والترهيبية لجني تلك الأموال من التجار والمواطنين، يحكي ذلك أحد رجال الأعمال المقيم في صنعاء والذي اشترط خلال حديثه مع “المدونة اليمنية” عدم الإفصاح عن اسمه لدواعٍ أمنية، إذ يقول إنه اضطر دفع ثلاثة ملاييين ريال يمني لأحد مشرفي الحوثي مقابل دعم جبهات القتال وذلك بشراء حلويات ومكسرات خلال عيد الفطر الفائت، وإنه تعرض للتهديد لأكثر من مرة بالسجن والسطو على أمواله في حال امتناعه عن دفع أموال دعم المجهود الحربي.
وفي أسلوب آخر للدعاية الحوثية لترغيب الناس على دفع الأموال، يستخدم الحوثيون منابر المساجد ووسائلهم الإعلامية، ففي إحدى خطب الجمعة كان أحمد الخزان وهو من الدعاة لمناصرين الحوثيين، يقول إن «من يقوم بجمع التبرعات والجبايات لصالح الجماعة الحوثية يتقرب إلى الله، وهو من أفضل الأعمال التي يحبها الله».
إتاوات عشوائية :
في الوقت الراهن تجري استعدادات قوية لجمع جبايات وإتاوات ضخمة من رجال المال والتجار والمواطنين قبيل عيد الأضحى القادم تحت مسمى تجهيز “قافلة أبو فاضل طومر” التي يقول الحوثيون إنها ستقدم لمقاتليهم في مختلف الجبهات، وتشمل أموالاً ومواشٍ ومواد غذائية متنوعة.
بدأ الحوثيون جمع أموال تلك القافلة بتوزيع ظروف ورقية على المواطنين من قبل عقال الحارات ومتابعي الأحياء الحوثيين في العاصمة صنعاء، وألزم الحوثيون المواطنين كتابة أسمائهم وأرقام هواتفهم على الظروف، وعن ذلك الطلب يستغرب المواطن أمين الربيزي في حديثه لـ”المدونة اليمنية”: « طلب مني مندوب توزيع الغاز وعاقل الحارة إملاء الظرف، خمسة ألف ريال، كأقل مبلغ يمكن أن يقبلوه مني مقابل موافقتهم حصولي على أسطوانة غاز، أدركت أنه لا مناص من أن أدفع لهم مالا للتبرع لقافلة ابو الفضل طومر، حينها بدأت أتفاوض معهم حتى قبلوا مني مبلغ ثلاثة آلاف ريال».
لا هـّم للحوثيين سوى جمع أكبر قدر من المال من أي مواطن كيفما كانت ظروفه المادية، ولا يأبه الحوثيون بالفقر المدقع الذي يعاني مراراته اليمنيون منذ سيطرة الحوثيين على صنعاء، وامتناع الجماعة الموالية لإيران دفع مرتبات موظفي الدولة في المناطق الواقعة تحت سيطرتها.
في الآونة الأخيرة فرض الحوثيون على المزارعين 20% من حصاد زراعتهم باسم الضرائب، و5% على ملاك المخابز، ونسب متفاوتة على محلات بيع اللحوم والدجاج والأسماك، والنجارين، والحلاقين، والحمامات البخارية.
يقول “عبدالكريم الحبيشي”، الذي يعمل بائعاً في إحدى بسطات بيع الخضروات في صنعاء، في حديثه لـ”المدونة اليمنية”: «في كل مناسبة دينية أو مستحدثة من الحوثيين يلزمونني بدفع أموال لدعم المجاهدين والمجهود الحربي، ونحن في الأصل نعاني من ركود في عمليات البيع والشراء، وأحياناً نخسر أموالنا، لقد سئمنا من هذا الوضع الذي نموت فيه كل يوم ببطء».
آخر تلك الجبايات التي فرضتها جماعة الحوثي هي ترقيم العربيات اليدوية التي يلجأ للعمل بها الكادحون والمعدمون، لنقل الخضار في الأسواق المركزية بصنعاء، مقابل مبالغ مالية زهيدة، يقول “صدام” وهو عامل في سوق علي محسن للخضار: إنه “لم يصدق بأن المشرف الحوثي أبو بدر النهاري، يطلب منه خمسة آلاف ريال مقابل السماح له العمل في السوق، لكن صدام يؤكد في حديثه لـ”المدونة اليمنية”، أنه دفع المبلغ، وبل يدفع ألف ريال في كل مناسبة يدعو فيها الحوثيون العاملين في السوق المشاركة في دعم المجهود الحربي”.
مليارات منهوبة:
يشير تقرير صادر في يناير الفائت عن خبراء الأمم المتحدة أن جماعة الحوثي تقوم بجمع ضرائب وإيرادات عمومية أخرى، يستخدم جزء كبير منها لتمويل مجهودهم الحربي”. ويفيد التقرير أن الجماعة حولت ما لا يقل عن 1,8 مليار دولار في 2019، كانت مخصصة في الأصل لملئ خزائن الحكومة اليمنية ودفع الرواتب وتقديم خدمات أساسية للمواطنين، حولتها لتمويل عملياتهم”.
تقرير آخر صادر عن مركز الإعلام الاقتصادي، يفيد بأن جبايات الحوثيين وسياساتهم الضريبية الظالمة أدت إلى غلاء الأسعار في المواد الغذائية والاستهلاكية ورسوم الخدمات، في كافة المناطق اليمنية، وأكد التقرير المعنون بـ”الجبايات الضريبية والجمركية وجه آخر للحرب في اليمن “بأن الأساليب العشوائية التي تتخذها جماعة الحوثي خلال جمع الجبايات والضرائب، أدت إلى ارتفاع منسوب التضخم في شتى المواد الاستهلاكية وأسعار الخدمات.
وأشار التقرير إلى أن الحوثيين فتحوا سبعة مراكز جمركية، وأن ممارساتهم أدت إلى عرقلة النشاط التجاري، ووضعت معوقات كبيرة أمام عملية التنمية، وتدهور فرص العمال وبيئة الاستثمار، وارتفاع منسوب البطالة والفقر.
وبين التقرير توجيه الحوثيين للموارد الضريبية والجمركية إلى خزائنهم، وحرمان الخزينة العامة للمؤسسات الحكومية التي يديرونها من تلك الأموال، وتسبب ذلك بوقوع تداعيات سيئة على الصعيد الاجتماعي والاقتصادي وتوسع رقعة الفقر.
جُل تلك الإيرادات التي تُقدر بأكثر من 1.8 مليار دولار، تجنيها قيادات الجماعة الحوثي سنوياً، وتستخدمها لمآرب شخصية وأخرى لمصالح تخص مشروع الجماعة في اليمن، كما يقول الباحث الاقتصادي “وحيد الفودعي”، ويضيف، في حديثه لـ”المدونة اليمنية”: «الحوثيون بعد أن نجحوا في نهب المؤسسات الحكومية الواقعة تحت سيطرتهم، يواصلون سياسة نهب ممتلكات الخصوم، ومصادرة أموال المواطنين الهاربين من بطشهم، ونهبهم للقطاع الخاص بمسميات متعددة، وكل ذلك لضرب رؤوس الأموال الوطنية والسطو عليها وتدمير القطاع الخاص بشكل منظم وصولا للقطاع المصرفي، وهو ما حصل مؤخراً في بنك التضامن».
وأدت سياسة زيادة ضريبة المبيعات، وفتح الملفات الضريبيّة المتأخرة على الشركات والبنوك، واستحداث المنافذ الجمركية، وفرض الجبايات إلى إغلاق عشرات المحال التجارية والمؤسسات والشركات، أبوابها في العاصمة صنعاء، ما دفع الغرفة التجارية الصناعية بالعاصمة صنعاء، إلى الإعلان في إبريل الفائت، عن رفضها للإجراءات التي تقوم بها جماعة الحوثي، عبر عناصر مسلحة تداهم المحال التجارية، وتطلب نسخًا من الأنظمة المحاسبية، وتقوم بإغلاق عدة محال دون أي مسوغ قانوني.
ولفتت الغرفة، في بيان، اطلعت “المدونة اليمنية” على نسخة منه، إلى أن «بعض المحلات التجارية التي تم إغلاقها، هي في الأصل مسددة لكل الرسوم المنصوص عليها في القانون».
يرى التاجر محمد الوصابي، أنه طالما طال الصمت على انتهاكات الحوثيين بحق التجار ورجال الأعمال وحتى المواطنين، فسوف تتمادى الجماعة، ومن أجل ذلك فقد غادر الوصابي صنعاء، إلى محافظة يمنية واقعة تحت سيطرة الحكومة المعترف بها دولياً لعله يجد مأوى له وفرصة لتجارته الصغيرة.