
المدونة اليمنية – احمد العرامي :
ترتهن الحالة الثقافية في اليمن، للظروف التي تمر بها البلاد بما تشهده من حرب تستمر منذ سنوات، بما ينعكس على السياسات الثقافية التي تجعل من الفعل الثقافي إما موجها واستقطابياً، أو يفتقر للتخطيط والتنفيذ الاستراتيجيين، عوضاً عن تأثير الأزمة الاقتصادية الحادة كأحد مخرجات الحرب على موازنة الثقافة والعمل الثقافي.
وتستمر حالة انقسام المؤسسة الثقافية تبعاً للانقسام السياسي، وتبدو وزارة الثقافة في حكومة الوفاق (شكلها الحوثيون وغير معترف بها دولياً ومقرها صنعاء)، في حالة جمود ثقافي إلا من بعض الفعاليات والأنشطة ذات الطابع “المذهبي”، تحاول وزارة الثقافة في حكومة الشرعية (تتبع الرئيس هادي، ومعترف بها دولياً، ومقرها عدن)، إعادة الروح للفعل الثقافي لكن في ظل ظروف أمنية ومادية لا تساعدها على عمل شيء ملموس.
ولم تصدر أي قرارات أو قوانين أو تشريعات متعلقة بالثقافة، خلال العام 2017م. بينما استمر توقف الفعاليات والأنشطة الأدبية والمهرجانات الثقافية والفنية، بشكل شبه تام، فيما عدا ما شهدته العاصمة صنعاء من فعاليات ومهرجانات ذات طابع “مذهبي” شيعي، مثل عيد الرسول الأعظم، عيد الشهداء، عيد الغدير، وهي إما لم تكن موجودة من قبل أو كانت ذات طابع عام وأصبحت تكتسب صبغة شيعية بشكل واضح ، ويأتي هذا في ظل غياب الفعاليات الثقافية، بما في ذلك الاحتفال بالمناسبات الوطنية مثل ثورة 26 سبتمبر، وعيد الوحدة 22 مايو، التي اقتصر احياؤها داخل غرف وصالات مغلقة، سواءً في صنعاء، أو عدن، أو تعز.
ولم تفلح وزارة الثقافة في الحكومة الشرعية في استئناف إقامة معرض الكتاب الدولي الذي استمر توقفه منذ العام 2013م، فبعد ان كان قد تم التنسيق لإقامته في شهر ديسمبر من هذا العام، في العاصمة المؤقتة عدن، تم تأجيله لأسباب كثيرة أبرزها الوضع الأمني، على أن يتم ترتيب ذلك ليقام في شهر مارس من العام القادم 2018م. أما في العاصمة صنعاء، فاقتصر الأمر على إقامة معرض كتاب أقامته ومولته دار نشر واحدة، هي مؤسسة عبادي للنشر، في نادي بلقيس بصنعاء، في 23/أكتوبر/2017م، وتخللته العديد من الفعاليات الثقافية ، قبل أن يتوقف فجأة لأسباب غير معروفة.
وفيما يتعلق بالبنية التحتية الثقافية، فتعاني مثلها مثل البنية التحتية بشكل عام، من آثار الحرب، والدمار، والاغلاق والسطو. وعلى سبيل المثال تعرض مبنى اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين في ساحل أبين، بمدينة عدن، والساحات التابعة له، للسيطرة من قبل مسلحين ادعوا ملكيته وبدأوا بالبناء فيه، منذ صباح الجمعة الموافق 13/أكتوبر /2017م، قبل أن تقوم حملة أمنية تابعة للسلطة المحلية بالمدينة بإخراجهم، والبدء، بعد مطالبات واسعة من الأدباء والمنظمات، بتسوير أرض المبنى والمقر، حمايةً له من محاولات السطو المتكررة ، وفي نفس السياق استعادت وزارة الثقافة في عدن، مبنى مكتبة القمندان في مدينة لحج عاصمة محافظة لحج، وكان أحد المواطنين قد اتخذ منه مسكناً له ولأسرته بعد أن سادت الفوضى إبان امتداد الحرب لتشمل المحافظة في العام 2015م، وتم حينها نقل محتويات المكتبة ومقرها إلى مبنى تابع للسلطة المحلية في محافظة لحج قبل أن تتم استعادته الشهر الماضي .
وتحاول وزارة الثقافة في العاصمة عدن استعادة الفعل الثقافي، عبر بعض الفعاليات والأنشطة المسرحية والفنية. فبعد ان أعادت تأهيل معهد جميل غانم للفنون، أقرت افتتاح قسم جديد بالمعهد يعنى بالفنون الاستعراضية، في حين ناقش لقاء بين الوزارة وإدارة المعهد مشروع تعديل اللائحة التنظيمية للمعهد لطرحها في لقاء مزمع عقده مع وزير التربية والتعليم بغية التعامل مع المعهد وفق لائحة إنشائه والتصديق على مخرجاته من قبل وزارتي التربية والتعليم والثقافة كمعهد فني ثانوي .
ولقيت اللهجتان السقطرية والمهرية، وهما لغتان أو لهجتان خاصتان جداً، وتعود جذورهما إلى اللغات السامية القديمة. بعض الاهتمام من قبل الوزارة التي عملت على استصدار قرار من رئيس الوزراء قضى بإنشاء مركز اللغة المهرية والسقطرية للدراسات والبحوث .
ونظراً لكون عدن (جنوب) هي العاصمة المؤقتة للحكومة، يشمل النشاط الثقافي المحافظات الجنوبية، ومع ذلك فإن الوزارة تحاول تجاوز ذلك، عبر فعل النشر، ومؤخراً وقعت الوزارة، مع دار أروقة للطباعة والنشر بالقاهرة، اتفاقية على إصدار سلسلة 100 كتاب، صدر منها حتى الآن خمسة عناوين .
وليس ثمة استراتيجية واضحة في عمل الوزارة، كما هو واضح، فالحرب وحالة التشظي التي تعيشها البلاد، والوضع الاستثنائي للحكومة، عوامل تفرض عليها العمل بسياسة “الممكن”، وهو الأمر الذي تجذره ضعف ميزانية الوزارة، حيث يستمر العمل بموازنة العام الماضي 2017م، والذي اقتصرت فيه موازنة وزارة الثقافة على العمل ب 20 في المائة من موازنة العام 2014م.
وتفرض طبيعة الصراع وحالة الحرب التي تعيشها البلاد، تأثيرها على العمل الثقافي. إذ يستمر العمل لدى الحوثيين في تكريس الثقافة الشيعية، فيما يعرف بملازم قائدهم “حسين الحوثي”، وما يسمونه “التأهيل الثقافي” والدورات الثقافية، التي تعد دورات تثقيف شيعي وتلعب دور استقطابي، إلى جانب القيام بإعادة نشر التراث الزيدي. في المقابل يتشكل خطاب ثقافي، ومبادرات ثقافية مضادة، معظمها حتى الآن في مواقع التواصل الاجتماعي، تعيد تذكير اليمنيين بماضيهم، وتوجه ضد الشيعة، و”آل البيت” من بينها (مجموعة الأقيال، اليمن الجمهوري)، والأخير يتجه أعضاء من حزب الرئيس السابق، علي عبدالله صالح، إلى إنشائه مركزاً ثقافياً أو مركز دراسات واسع.
ولا يصدق هذا على كل المبادرات، التي يبدو أن من بينها ما يشير إلى تحرك في الوعي الثقافي صوب خلخلة المرجعيات الثابتة، التاريخية والثقافية، والاجتماعية. وتكريس خطاب ثقافي مبني على وعي قومي. مثل موقع المحيط، وموقع أرشيف اليمن.
ويعاني قطاع الآثار في اليمن من شلل شبه تام، ومع ذلك فإن ثمة مبادرات مجتمعية، تحاول القيام بدورٍ ما للحفاظ على الآثار، وأبرزها مجموعة نقوش مسندية في موقع التواصل الاجتماعي فيس بوك، التي تجاوز عملها التثقيف، لتلعب دوراً في التوثيق لآثار اليمن، وبحسب معلومات خاصة، فإن المجموعة و”خلال الفترة من عام 2015م، استطاعت توثيق ما يزيد على 300 قطعة أثرية جديدة متنوعة ما بين نقوش وتماثيل صخرية ومعدنية وعملات، كما تم أيضاً توثيق بعض المواقع الأثرية الجديدة المكتشفة بناء على المعلومات الأولية والصور التي يقدمها أعضاء المجموعة، من ضمنها مواقع تم العبث بها والسطو عليها خلال المواجهات العسكرية والظروف التي تمر بها اليمن حالياً”.
وتستمر معاناة الحريات في ظل الحرب، كما تستمر الانتهاكات ومصادرة الصحف وإغلاقاها واعتقال الصحفيين والعاملين في وسائل الإعلام، وبدا العام 2017 أكثر عنفا وعدائية تجاه الصحافة والصحفيين، ورصدت نقابة الصحفيين 300 حالة انتهاك منذ مطلع العام 2017 طالت صحفيين ومصورين وعشرات الصحف والمواقع الإلكترونية ومقار اعلامية وممتلكات صحفيين.
وتنوعت الانتهاكات بين الاختطافات والاعتقالات بـ 103 حالة بنسبة 34% من اجمالي الانتهاكات، و37 حالة حجب للمواقع الالكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي بنسبة 12%، ثم الاعتداءات بـ34 حالة بنسبة 11% ، والتهديدات وحملات التحريض بـ31 حالة بنسبة 10%، يليها الشروع بالقتل بـ 29 حالة بنسبة 10%، ثم المصادرة والنهب لممتلكات الصحفيين ووسائل الإعلام بـ 17 حالة بنسبة 6%، و11 حالة محاكمة بنسبة 4%، و11 حالة تعذيب لصحفيين في المعتقلات بنسبة 4%، و8 حالات ايقاف رواتب وايقاف عن العمل طالت مئات الصحفيين ، و8 حالات منع عن التغطية ومنع عن الزيارة بنسبة 3%، و 5 حالات ايقاف لوسائل إعلام بنسبة 2%، و3 حالات قتل بنسبة 1%، و3 حالات اصدار لوائح وتعميمات قمعية بنسبة 1%.، وقد اشتركت في هذه الانتهاكات مختلف أطراف الصراع، بنسب متفاوتة .